القائمة الرئيسية

الصفحات

موسم جني الزيتون في ولاية جيجل الجزائر


·       بقلم عبد السميع طيار  

موسم جني الزيتون بمنطقة بني يدر- جيجل الجزائر 

الزيتون من الأشجار المباركة وورد ذكرها في القرآن الكريم سبع مرات،  وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن يأكلوا من زيتها ويدهنوا به، وقد ثبت علمياً فوائد أكل زيت الزيتون، والدهان به قال تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ) سورة التين

قال تعالى: (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)الآية 11 من سورة النحل

عن أبي أسيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كلوا الزيت وأدهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة ) رواه الترمذي وأحمد والحاكم

    وتعتبر الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط (جنوب أوروبا وشمال إفريقيا حتى الشام) أكبر دول العالم شهرة بأشجار الزيتون كون شجرة الزيتون تعيش في المناخ المعتدل ماجعل هذه الدول تحتل الصدار في إنتاج زيت الزيتون بأنواعه، ويتزامن موسم جني الزيتون في الجزائرعموما و بجيجل خصوصا مع منتصف شهرالثورة التحريرية الكبرى (نوفمبر)،  ومن أهم القبائل الصغرى التي تشتهر بأجود أنواع  زيت الزيتون في ولاية جيجل نجدها في الجهة الشرقية للولاية، متاخمة لبعضها البعض على غرار بني حبيبي، بني معمر وبني يدر.

منطقة بني يدر

بني يدر هي إحدى أكبر قبائل جيجل والمعروفة حاليا ببلديتي الشقفة و برج الطهر تقع شرق الولاية جيجل وتبعد عنها من 20 إلى 40 كم ، أراضيها تمتد على سلسلتين جبلتين متوازيتين تقريبا بها أربع وديان وهي واد النيل، واد الشقفة، واد بوتناش وواد إرجانة،  وتتوسط بني يدر كل من  بني معمر و بني حبيبي (الجمعة بني حبيبي) شمالا، بني عيشة وبني فتح (بوراي بلهادف) شرقا، وبني عافر(الشحنة) وبوسيف أولاد عسكر جنوبا ، وبني صياد والطاهيرغربا، تبدأ  أراضي قبيلة بني يدر بالقرب من شاطئ البحر ثم تأخد في الإرتفاع إلى أن تصل ال 800 م عن سطح البحر.

أهم المناطق التي تشتهر بالزيتون ببني يدر

تحمل بني يدرعشرات الآلاف من أشجار الزيتون على أراضيها الجبلية وشبه الجبلية وأكثرها القريبة من الوديان والمجاري المائية ومن بين أهم المناطق شهرة بالزيتون نجد  مجموعة من القرى والمشاتي بكل من الشقفة وبرج الطهر

 الشقفة: السبت، العزيب، بومليح، بوعصفور، بوطالب، الأربعاء، لعجاردة

 برج الطهر: بوميدول، محسن، الوادية، بوالزان، أولاد عبدالله، أنشيد، أشرّار ، بودريل، تاغراست و أيرار

البدايات الأولى لأشجار الزيتون ببني يدر

كما جاء على لسان الأسلاف وحسب الروايات التاريخة تعود البدايات الأولى لأشجار الزيتون  بولاية جيجل إلى ماقبل الحضارة الرومانية، وهذه الولاية كانت في القديم موقع إستراتيجي، ومصدرا لثروات فلاحية أهمها زراعة الزيتون ، وهذا ما قد يفسر التواجد الروماني الكثيف في كل نواحي الولاية أنذاك.

الرومان هم من إهتموا أكثربزراعة أشجار الزيتون في مختلف أنحاء جيجل لتسويق الزيوت إلى جنوب أوروبا، وبعدهم زرع منه الأجداد في المناطق الجبلية لبني يدر هروبا من من السواحل والسهول التي قد يصل إليها الغزو الحضاري، أين كانوا يعيشوا على ضفاف الوديان على غرار واد إرجانة، واد الشقفة والنيل  وغيرههم من الوديان الصغيرة والشعاب حتى يتسنى لهم سقيه والإهتمام به أكثر كونهم يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للعيش، ويعتبر زيتون المنطقة  ذو نوعية رفيعة أو كما  يطلق عليه باللهجة المحلية " الزيتون الحُر" لأنك تستطيع أن تغرس أبناء الشجرة الواحدة " غصن أو مجموعة من الأغصان الصغيرة تنموا مع الجدع ، يتم تنحيتها وإعادة غرسها في حقل آخر وتنمو من جديد بعدما يتم الإعتناء بها وهكذا تم الحفاظ على هذه النوعية  إلى يومنا هذا في المنطقة".

موسم، مراحل،وسائل وطرق الجني

كما ذكرنا سالفا يتزامن موسم الجني بالمنطقة مع منتصف شهر الثورة (نوفمبر) وأحيانا  قبل وذلك حسب العوامل المناخية التي قد تطرأ على الأشجار إلى غاية رأس العام ( أواخر ديسمبر)   

المرحلة الأولى ( مرحلة التحضير للجني )

ويتم في هذه المرحلة الإستعداد الكلي للشروع في عملية الجني وذلك بتوفير كل اللوازم والمعدات البسيطة التي إعتادها سكان المنطقة، وكذا العودة المؤقتة في كل موسم لبعض سكان بني يدر الذين نزحوا  إلى مختلف الولايات.

المرحلة الثانية (مرحلة الجني )

تعتبر هذه المرحلة الأصعب وهي مرحلة الجني أو كما يطلق عليها باللهجة المحلية ( نلقطوا الزيتون أو نهوموا الزيتون)  رغم المخاطر التي تواجه سكان المنطقة كل موسم في المسالك الجبلية الوعرة كالسقوط من الأشجار والخدوش الخفيفة التي تلحق أضرار باليدين.

وتقوم نساء المنطقة كل يوم في الصباح الباكر مع بزوغ الفجر لتحضير قهوة الصباح و طهي وجبة الغداء وبعدما تشرق الشمس تتجه العائلات إلى أماكن تواجد أشاجرها محملة  بلوازم الجني، وبعدما يقترب وقت الغروب تعود العائلات محملة بالزيتون إلى منازلها .

ويتم إستخدام  الوسائل المعتمدة  في الجني حسب  الشجرة ومن أهمها نجد:

الدلو: توضع فيه حبات الزيتون حتى يمتلأ ويتم تفريغه في الكيس وهكذا حتى يمتلأ هذا الأخير.

المنشار أو الشاقور: لتنقية الشجرة من الأغصان اليابسة أوغير صالحة حتى يتسنى للأشخاص الصعود إلى الشجرة  بارتياح ويطلق على هذه العملية  باللهجة المحلية " السّرْي".

المَخْتَافَة: تعتبر من أهم الوسائل تستخدم في إسقاط حبات الزيتون  الموجودة  في الأشجار الفارغة.

وعملية الجني كذلك يعتمد فيها سكان بني يدر وضواحيها على مختلف الطرق من بينها :

أَنَفَاضْ: يتم نفض ( إسقاط ) حبات الزيتون من الشجرة  الفارغة التي تحوي كمية  قليلة وذلك بواسطة المختافة .

أَجَرَادْ: وهو كمية حبات الزيتون المتساقطة من الشجرة على الأرض أو على الستار الذي يتم فرشه تحت الشجرة، وتعتبر الطريقة متعبة جدا.

أَكَرَام: وهو عملية قطع أغصان الشجرة، وتعتبر الطريقة الأسهل مقارنة بالطرق الأخرى .

الريمَة: هي إحدى أهم الطرق التي كان يعتمدها في الماضي سكان قرى ومداشر بني يدر من كل الفئات وذلك عشوائيا في غلل أشجار الزيتون دون مراعاة ملكية أصحابها، كل هذا عندما يتساقط المطر والبرد وخاصة لما يهب الريح ما يتسبب في تساقط كميات معتبرة من حبات الزيتون، وسجلت هذه الطريقة تراجعا ملحوظا وسط السكان خاصة لما تراجعت كمية الإنتاج خلال السنوات الأخيرة بسبب التغيرات المناخية التي عرفتها المنطقة، حيث أصبح كل شخص يكتفي بالريمة في ملاكه فقط.

المرحلة الثالثة ( التنقية والتغلية)

عادة ماتتم هذه العملية عندما يكون الجو ممطرويستغل سكان المنطقة الجو الصحو في الجني،  كما أن هذه المرحلة كذلك تعتبر متعبة جدا، لأنها دورية كلما تصدر كمية معينة من الزيتون تتم عملية تنقيته من الأوحال والأوراق العالقة به حتى يكون الزيت خال من الذوق الحار، ومن ثم يتم تغليته فوق النار في برميل حديدي (طنجير) به ماء، ويتم وضعه في أكياس ليصفى جيدا من الماء الأسود (الدَرْدَة) الذي يعلق به أثناء التغلية ، ومن ثم يوّجه إلى المعصرة. 

المرحلة الرابعة (مرحلة الطحن)

وتعتبر هذه المرحلة المرحلة النهائية التي يتكفل بها صاحب المعصرة مع فريق من العمل كل ودوره في عمليات الطحن وإخراج الزيت .

تحتوي منطقة بني يدر على مجموعة من المعاصر موزعة عبر تراب بلديتي  الشقفة وبرج الطهر

الشقفة: أهم المعاصر المتواجدة فيها  نجد الأربعاء،السوق، بوطالب، السبت.

برج الطهر: بها 05 معاصر زيتون 02 منها ببرج الطهر وسط و 03 بقرية آشرّار 02 منها بالطاحونة، معصرة عمربن الحاج رحمه الله "تقليدية"، معصرة الحاج عمر بن الدايرة رحمه الله "عصرية "  بعدما كانت تقليدية هي الاخرى وتعتبر من أقدم المعاصر في المنطقة، وواحدة بالخناق معصرة مصطفى بن الريقال رحمه الله" تقليدية" كذلك، وتستقبل معاصربني يدر آلاف الأطنان من الزيتون حسب كمية الإنتاج من كل موسم .

أنواع وسعر زيت الزيتون بمنطقة بني يدر

الزيت الطايب: وهو زيت الزيتون الذي يُغلى فوق النار ويستعمله سكان المنطقة في الأكل كعنصر أساسي لا تخلو وجبة منه، ويتراوح ثمن اللتر الواحد من هذا النوع بين 650 دج  و 1000 دج .

الزيت الأخضر: وهو زيت الزيتون الأخضرالذي لا يُغلّى فوق النار، و يتم طحنه مباشرة، وعادة ما يستعمله سكان المنطقة في العلاج ، ويترواح سعره بين 1000دج و 1200 دج ببرج الطهر.

زيت الرجل: وهذا النوع من الزيوت تقريبا زال نهائيا في القرن الحالي خاصة لما غاب الجيل القديم الذي كان يتفنن في إخراجه، بعضهم وافتهم المنيه رحمة الله عليهم وبعضهم كبروا سنا ماعدوا يقدرون على بدل الجهد العضلي سوى سردهم لنا هذه الطريقة الصعبة جدا، حيث يتم عجن الزيتون بالرجل وطحنه باليربابة ( حجرة خاصة) وإخراج الزيت بطرق تقليدية متعبة ..

ولزيت الرجل فوائد عظيمة لعلاج بعض الأمراض بما فيها المستعصية، سعر اللتر الواحد يفوق 2000دج، مع إستحالة الحصول عليه اليوم.

زيوت بني يدر ..من أجود أنواع الزيوت على مستوى الولاية والوطن

معروف عن سكان ولاية جيجل وخصوصا بني يدر أنهم متواجدين في ربوع الوطن شرق، غرب، وسط، جنوب، ما جعلهم سبب في التشهير لزيت المنطقة بعضهم يذوق لجيرانه وأحبابه وبعضهم يقوم بتسويقه، جودته جعلت بعض الزبائن  يتهافتون على مطاحن بني يدر من داخل وخارج الولاية،  والبعض يريد الحصول على كمية ولو للعلاج فقط كون زيت الزيتون يحتوي على فوائد عظيمة، وأجودهم إطلاقا يمتد من أعالي بني حبيبي إلى أعالي بني يدر (برج الطهر) حتى المنطقة الحدودية بوسيف أولاد عسكر.  

هذا وقد سجلت المنطقة خلال السنوات الأخيرة تراجع كبير في كميات الإنتاج، يعود سببها إلى التغيرات المناخية التي عرفتها البلاد والحرائق العشوائية التي تحصد عشرات الأشجار كل صيف، إضافة إلى عدم إهتمام الجيل الجديد بشجرة الزيتون عكس ماكان عليه أسلافه.

  ويبقى الجيل الجديد الأمل الوحيد و الركيزة الأساسية  للجسر الذي يربطه بأسلاف المنطقة وذلك بالحفاظ على هذه النوعية الرفيعة من أشجار الزيتون وإعادة تجديد وتهيئة الأشجار المعمرة  وغرس أكبر عدد ممكن منها، إضافة إلى تدخل الجهات المعنية لتشجيع الجيل الجديد وتوفير كل السبل للإستثمار في هذا المجال  الذي حتما يعود بالفائدة على البلاد والعباد.


 كاتب المقال:
الإسم واللقب: عبد السميع طيار
الشهادة المتحصل عليها: ماستر إتصال وعلاقات عامة
البريد الإلكتروني: abdessamia.teyar@gmail.com
كُتب ونشر المقال في ديسمبر 2017 وعدّل في 2019 " موسم جني الزيتون".


 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع